This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

دراسة تصدر من بيروت وتتناول 11 بلداً في المنطقة .. الشباب كلفة تهميشهم عربياً 50 بليون دولار سنوياً!
01/07/2008

 

بيروت - فاطمة رضا     الحياة   

طلاب، أو خريجون حديثو العهد، أو آخرون مضى على تخرجهم من اختصاصات مختلفة سنوات، أو فئة رابعة لم تتوافر لها فرص إكمال دراستها الجامعية أو حتى دخول المدرسة من الأصل... أربع فئات أساسية يندرج تحتها الشباب والشابات في العالم. والكلام عن هذه الشريحة الشابة من المجتمعات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالكلام عن سوق العمل، وفي العالم العربي في شكل خاص يدخل على هذا النقاش بند آخر، يكاد يكون من المستحيل تفاديه ألا وهو البطالة.

وتعتبر البطالة بشقيها المقنع والمباشر، هاجساً أساسياً في حياة شباب العالم العربي، الذي يضم نحو 100 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة ويشكلون ثلث السكان.

وعادة يختلف بلد عن آخر باختلاف نقاط القوة والضعف بينهما، وتكبر الهوّة بين هذه البلدان بالنظر إلى كيفية استخدام المواد الأولية التي تمتلكها، إلى جانب مدى استفادتها من الطاقات البشرية.

وفي دراسة وضعها أخيراً أستاذ الاقتصاد في الجامعة الاميركية في بيروت، جاد شعبان، في إطار «مبادرة شباب الشرق الأوسط»، يظهر أن كلفة البطالة في 11 دولة عربية تصل إلى 25 بليون دولار سنوياً، أي ما نسبته 2.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وتأتي هذه الدراسة بمبادرة مشتركة أطلقها في تموز (يوليو) 2006 مركز ولفنسون للتنمية التابع لمعهد بروكنز بالتعاون مع كلية دبي للإدارة الحكومية.

وتشير الدراسة إلى أنه يتوجب على العالم العربي الاستفادة من «المكاسب الدفينة» التي يتمتع بها، نظراً إلى ان الشباب يشكلون نحو 25 في المئة من مجموع سكانه وذلك من خلال توظيف هذه الطاقات في سوق العمل، والسعي إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، لأن هذه «النعمة» لا تدوم طويلاً.

وفي لقاء مع «الحياة» قال شعبان: «المجتمع الآن في أوج عطائه، إلاّ أن هذه الفئة ستكبر مع الأيام، ومن خلال الأبحاث والمراقبة التاريخية، فإن نسبة الإنجاب لدى هذا الجيل أقل منها لدى الجيل السابق، وبالتالي فإن تقدم الشباب في السن من دون الاستفادة منهم كقوة بشرية عاملة، سيؤدي حتماً إلى إضاعة الفرصة على العالم العربي في بناء مجتمع سليم».

وترتكز الدراسة الى مصطلح «إقصاء الشباب»، في إشارة إلى الوضع الصعب التي تمر به هذه الفئة العمرية في العالم العربي. وتتحدد عملية الإقصاء بجوانب عدة، كالبطالة المقنعة والتسرب المدرسي وحمل المراهقات، والهجرة. وإذا ما أُضيفت خسائر هذه العوامل إلى الخسائر التي تتسبب بها البطالة، فإن كلفة «الاقصاء» قد تبلغ 50 بليون دولار سنوياً، اضافة عن التأثيرات النفسية والاجتماعية المترتبة عن هذه الحالة.

وبهذا المعنى فإن الثمن الحقيقي الذي تتكبده الحكومات سنوياً أكبر بكثير مما تشير إليه الدراسة، التي تسعى إلى دق ناقوس خطر علمي، للحد الأدنى من تكلفة تغييب الشباب.

ويرى شعبان، أن المشكلات الأساسية، التي تدفع المنطقة العربية إلى إقصاء ما يقارب 10 ملايين شاب من الحياة الاقتصادية وسوق العمل، ترجع إلى أسباب متعددة منها غياب التعليم النوعي والتدريب المستمر وعدم القدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية وضعف الشراكات بين دول العالم العربي.

وفي حين كان البنك الدولي أصدر في 2003 تقريراً حول أسواق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لافتاً إلى ضرورة إيجاد 100 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020، تأتي دراسة «كلفة إقصاء الشباب في الشرق الأوسط»، لوضع الحكومات العربية أمام أرقام خطيرة، تستهدف مجتمعاتها.

ومعدل البطالة لدى شباب الشـــرق الأوســــط هو 25 في الـــمئة، وعلى ســــبيل المثـــال، فإن معــــدل البطــــالة في سورية للفئة العمرية بين 15 و 24 سنة أعلى بـ 6 مرات من معـــدلات البطــــالة بين البالغين التي تعتبر بــــدورها الأعلى بين دول المــــنطقة ما عدا دول الخــــليج. وغالباً ما تكون فترة البطالة بالنسبة الى الخريجين الجدد طويلة جداً، وقد تبلغ 3 سنوات في دول مثل المغرب وإيران.

وتنطلق «مبادرة شباب الشرق الأوسط»، من قناعة بأن منطقة الشرق الأوسط تتمتع بـ «تضخم شبابي»، في نسبة تعادل 30 في المئة من إجمالي عدد السكان. وهي نسبة تعتبر أعلى نسبة في تاريخ المنطقة مقارنة بمعدلات الكبار، وهو ما يعتبر «هبة» سكانية يجب استثمارها لضمان مستقبل أفضل.

وبناء عليه، تعمل المبادرة على وضع خطة عمل إقليمية لتفعيل دور الشباب الاقتـــصادي والاجــــتماعي في الشــــرق الأوسط، وإيجاد منبر لتبادل المعارف والخـــبرات للمــــساهمة في تعزيز التعاون الإقليمي بين مختلف الشبكات المعنية بمبادرة شبــاب الشرق الأوسط وشركائها في المنطقة.

وتظهر الدراسة ان السبب الرئيس الذي يقف وراء تهميش الشباب وإقصائهم عن الحياة العامة وأسواق العمل يعود إلى سوء التخطيط الحكومي، وانسداد الأفق فيقع الشاب فريسة اليأس الذي يدفعه في أحيان كثيرة إلى المجازفة بحياته بحثاً عن فرص أفضل. والمثال الأبرز على هذه الحال هي دول المغرب العربي حيث تكثر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عن طريق البحر، إضافة إلى التسرب المبكر من المدارس.

وإذا كان الزواج وتكوين الأسرة من أهم أسس الاستقرار النفسي والاجتماعي، ودليلاً على دخول مرحلة الرشد، إلاّ أن الدراسة تشير إلى أن نحو 50 في المئة من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 29 سنة ما زالوا غير متزوجين مقارنة بـ23 في المئة في آسيا و 31 في المئة في أميركا اللاتينية.

وبالتالي تلعب هذه الارقام دوراً أســـاسياً في ما يسمى بـ «إقصاء» الشباب، لأن الصعوبات الاقتـــصادية وتكاليف الزواج الباهظة من سكن، وأثاث، وحفلة زفاف تساهم في تأخر الإقدام على هذه الخطوة. وتساوي تكلفة الزواج في مصر مثلاً 43 شهراً من مجمل دخل العريس ودخل والده. وبالنسبة إلى أفقر الموظفين، يتحتم على العريــــس ووالده أن يدخرا كامل دخليهما لمدة 88 شهراً لفترة زمنية تزيد على 7 سنوات. وتبلغ تكلفة اقصاء الشباب في مصر وحدها نحو 17.4 في المئة من إجمالي الناتج القومي.

وفي عالم عربي يفتقر إلى الاحصاءات الدقيقة، ويصعب فيه التأكد من أي رقم، تتحول الإحصاءات والأرقام الواردة في هذه الدراسة، ومحاولات لفت النظر إلى خطورة الوضع، نقطة ارتكاز تشير إلى هشاشة وضع الشباب وبلدانهم في شكل عام، فهؤلاء الشباب يعتبرون فريسة سهلة لأنواع مختلفة من الاستغلال قد يكون أولها الشعور بالمهانة لفقدان القدرة على الإنتاج، وغياب الاستقرار، بسبب العجز عن ممارسة الحياة الطبيعية، كالزواج وتأسيس أسرة.

وقد يتطور الشعور بالعجز إلى سلوك انحرافي، يبدأ بالسرقة ولا ينتهي بالاتجار بالجسد. وتشير بعض الدراسات إلى أن 90 في المئة ممن يقعون ضحية الانحراف عاطلون عن العمل، ولا يملكون دخلاً مادياً مؤكداً ومنتظماً.

ومن أوجه الاستغلال، استخدام هؤلاء سياسياً ومن أخطر هذه المراحل امكان انجذابهم إلى حركات ومنظمات إرهابية، يجدون فيها السبيل للانتقام من واقع أليم تتضافر فيه البطالة مع الفقر وانسداد الأفق.